التمثيل : هو فن اللعب وهو كل مايتعلق في الحركة والصوت والنص - الحوار - وفيه ايضا دراسة للجوانب النفسية والاجتماعية مع تدريبات متتالية في مختلف الاساليب التي يمارسها الممثل عبر شخصياته المختلفة .
وكما نعرف ان التطور التاريخي للفنون الجميلة وما احدثه من متغيرات فيها بشكل عام وفن التمثيل على مستوى تقنيات الممثل بشكل خاص ...لم يعد فن الممثل او التمثيل يعتمد على الموهبة فقط انما هناك الارادة القوية -- للانسان الممثل -- والتي ترتبط في عملية الابداع الفني وعمل الممثل نفسه ونشاطه الذي يعتمد على الجسد والحركة بالاضافة الى جهده والبحث عن ماهو افضل من خلال عملية الاستعداد والامكانات التي يتمتع بها والتي تتطور و تنمو عبر مفهوم التدريبات والتمارين المستمرة -- للجسد -- لاتقان الحركة وما يصاحبها من افعال وردود افعال والتي تبهر المتفرج وتثير اسئلة كثيرة لديه .
اذن كيف لنا ان نحدد امكانات هذا الممثل وابداعاته و ادواته التي يستخدمها في تقديم سينوغرافيا جسدية متلونه ومتعددة لكونه حامل الخطاب المسرحي وله مثل ماعليه ...
لابد لنا في هذه النافذة التاكيد على اهمية فن الممثل وهو يقف على خشبة المسرح ليقدم لنا قدراته في التركيز والانتقال في الخيال الى اماكن بعيدة ليتمم في ذلك عملية التواصل مع عوالمه الخارجية ويجسدها في الحركة والجسد والصوت وتقنياته الاخرى التي اكتسبها بالفطرة او الدراسة او الموهبة ...
وهنا نتساءل هل ان فن التمثيل هو موهبه ام دراسة ام الاثنين معا ؟
كيف يمكن ان تحدد وتضع الصفات الشخصية ( للشخصية المسرحية , اي الدور) ؟
الاحساس بالصدق عند الممثل في تقديم الشخصية .. ماله في التمثيل وما عليه ....
اسئلة كثيرة تدفعنا الى ان نتسائل عن قدرات الانسان – الممثل الذي يعتلي خشبة المسرح لكي يقدم مهاراته وفنه كحامل خطاب مهم الى الجمهور من خلال تكثيف الاحداث وأيصال هدف العمل للجمهور عبر وسائله و ادواته في الاداء والالقاء وقراءة النص وقوة التعبير موضحا القدرة الفنية والوظيفة الفنية لتلك المهمة , وما هو التاثير الحاصل على المتفرج عبر ذلك السحر والمتعة التي يقدمها ...كيف لنا ان نرى الممثل وهو الذي يمتلك القدرة السحرية على سرد تلك الاحداث وتأدية عمله على خشبة المسرح بشكل مميزا كيف يتعامل مع سينوغرافيا العرض واهمية توظيفها لخدمته بالاضافة الى الانارة والموسيقى والتنويعات الاخرى ...كما وان من صفات الممثل الناجح هي سلامة النطق والافصاح ووضوح الكلمات المنطوقة ومخارج الحروف والتحكم في التنفس .
من خلال دراستنا للشخصية في المسرح على مر العصور , تعرفنا الى الكثير من الشخصيات المسرحية مثل أوديب- أجاممنو- هاملت - عطيل - .... الى اخره , وايضا تعرفنا على سلوك العديد من الشخصيات المختلفة والمتباينه كتبت من قبل كتاب عالميين امثال : شكسبير- وشيخوف - ومارلو - وشللر- ولوركا - وغيرهم.
بعد ظهور ستانسلافسكي صاحب اهم منهج ومدرسة في فن ( التمثيل ) ثم مجيء بريشت بمنهجه المختلف عنه بدأت الشخصية المسرحية تأخذ منحى اخر ايضا ومغاير لما كان ماقبل ستانسلافسكي وبرشت , بعد ذلك بدأ الاعتناء بالشخصية وأزيائها ومكياجها وسلوكها , وايضا اخذ بنظر الاعتبار وعي الشخصية والقدرة على تطورها ثم استيعاب التعليمات والتمارين التي تمارسها هذه الشخصية وفقا للجو التي كانت تعيش به .
لذلك ظهرت ضوابط ومسلمات للقيام بفن (التمثيل ) لاي دور من قبل الممثل ...واعتبار الممثل خالق للشخصية على خشبة المسرح . ان خلق الشخصية في مواصفات متعددة الوجوه لاتقدر بثمن ومن الضروري ان تقدم للجمهور من خلال حالات فنية ابداعية حتى تحفر في الذاكره .
ولابد واقولها هنا جازما : ان يكون الممثل واعيا ومثقفا ويعتمد آلية تمثيل متطورة --ولا يكون متخشبا لاحياة فيه -- ,بل عليه ان يكون يقضا وحساسا وغير اندماجي.. أن يراقب نفسه اثناء العرض المسرحي --اي اثناء عملية التمثيل -- لكي لايسبق الشخصية ولا يتخلف عنها ويحدث ارباك في عملية التقديم بالاضافة الى ان يتمتع الممثل بخيال خصب وان تكون مخيلته خصبه ومتقدة و ايضا من صفاته ان يتمتع بسرعة البديهية .. و حتى يستطيع ايضا ان يسبر غور الشخصية التي يراد تمثيلها من خلال التعرف الجيد على كل الابعاد التي تتمتع بها تلك الشخصية .. يعني بمعنى اخر ان تكون هناك دراسة معمقة في جوانب الشخصية المهمة (البعد الطبيعي البعد الاجتماعي البعد النفسي ) وعليه ايضا ان يعي تاريخ الشخصية وتطورها في مراحلها الانسانية .
الشخصية وعلاقاتها المتشابكة :
ان الشخصية هي الاساس الجوهري للنص وهي القلب النابض للحكاية لذلك قبل البدأ بأي شئ لابد من التعرف بشكل جيد على اسلوب او جوانيات الشخصية وعلى صفاتها واوضاعها ... هنا يطرح سؤال ... من هي الشخصية ؟ وعن اي شئ تتحدث في العرض المسرحي ؟.
كما معروف لابد ان نتعرف على الحياة الداخلية للشخصية التي تبدأ من الميلاد وحتى لحظة العرض المسرحي ونعتبر بذلك الخطوات الاولى التي تكون الشخصية , ثم نحدد ونعرف صفات الحياة الخارجية للشخصية التي تبدأ من اللحظات الاولى للعرض المسرحي الى نهايته .
وعلى طول فترة العرض المسرحي سوف تنكشف لنا الشخصية ومحدداتها وصفاتها من خلال مؤشرات مهمة جدا توضح لنا مايلي : اين ولدت ؟ اين تعيش ؟ علاقاتها مع الاخرين , نتابع حياتها العاطفية والاجتماعية , وكذلك علاقات هذه الشخصية مع الاخرين في ديمومة تفاعلها سوأ كانت ودية طيبة او عدائية شرسة او ايضا بطريقة مختلفة وهنا نعني عملية الصراع اي الدراما , وتفاعل الشخصيات مع نفسها ايضا .
ان النظر لمفهوم تحديد الصفات للشخصية المسرحية لابد وان يقودنا الى معرفة مكوناتها الذاتية والخاصة والمهنية , وطريقة عيشها واسلوبها بالحياة ماذا تعمل من اين تعيش كيف تتعامل مع الاخرين علاقاتها طيبة بهم ام سيئة ؟ كل هذه الاسئلة تنطرح حينما نتحدث عن كيفية وضع محددات وصفات للشخصية المسرحية .
نحن في المسرح نقوم بعملية استكشاف لكل العلاقات التي ستلعب الشخصية ---الدور--- لها نبحث عن الاحوال الشخصية : متزوج . او متزوجة / مطلق او مطلقه وهكذا / اعزب / منفصل / ناخذ مشكلة الحالة التي تعيشها الشخصية وهل هناك عقدة معينة في حياتها أقصد هنا ( الشخصية ) علاقاتها الغرامية ان وجدت . الحب والكراهية الهوايات التي تهتم بها من هذا كله يصبح لنا غطاء واسع ومهم من المفردات والمساحة الكبيرة للتعرف على مفاصل حياة هذه الشخصية وبالتالي نبدأ بتحديد المعوقات والعقبات التي نضعها لها لكي نبدأ بعملية الصراع اي الدراما كما قلنا سابقا .
وبهذه البداية سنرى ان الفعل الدرامي هو الاساس للشخصية والشخصية هي الفعل لذلك ويتم تجسيد الشخصية بالعرض المسرحي وتحديد حاجتها وتحديد وجهات النظر فيها وبعد تحديد هذه الصفات نتاكد ان كافة الشخصيات لديها وجهات نظر محددة فردية .وكذلك يعني لنا الفعل الدرامي كيف تسير الاحداث بتفاصيلها المختلفة بحيث تجعل من الفعل عبر الشخصية للوصول الى نتائج امرا واقعيا لان لكل حدث سبب منطقي تفعله هذه الشخصية او تلك ويعتمد هذا في بناء الحدث على الاثارة والتشويق الذي ينبع من تلك الشخصيات .
ومن قرائتنا للشخصية ولتحديد صفاتها نجد بانها : موقف وهي سيرة ذاتية مميزة للشخص وهي ايضا سلوك , ويعتبر السلوك هو الحدث الدرامي لان جوهر الشخصية يعني لنا الحدث الدرامي هذه الصفات والعلاقات التي ذكرتها ترتبط ببعضها البعض وتتداخل الواحدة بالاخرى اثناء عملية بناء الشخصية وتحديد شكلها وبعد ذلك يتضح لنا مايلائم فعلا بناء هذه الشخصية او تلك.
ان التفكير المتصل في الشخصية امرا لابد منه وكذلك لابد من الاخذ بالاعتبار ان الشخصية (تتغير اثناء العرض المسرحي ) فمن الضروري اعادة صياغة الافكار لكي لا يكون هناك جمودا في مواقف تلك الشخصية .
ان حب الشخصية في العمل من قبل الممثل يحقق - التقمص او الاندماج - بين نفس الممثل والشخصية التي يمثلها وهو يقودها بنفس الوقت الى التمييز بين ماهو عرضي غير هام وبين ما هو يشكل جوهر الانسان ذاته , وهذا الجوهر الذي يبنى عليه الفعل المتداخل في الدور .
أن بناء الشخصية هي بداية للتعرف على وجود تفاصيل الخوض عنها والبحث فيها له علاقة بكيفية تشكيل البعد الطبيعي وتشكيل وفهم البعد النفسي وايضا ما يتعلق بالبعد الاجتماعي .أن اختيار الشخصية وآلية حركتها ومسار تناولها ومعالجتها يقدم عرضا تاما لصور حسية حياتية مهمة في جانب العرض وان التنسيق في بنية العمل كما ذكرت عبر الفضاء المسرحي هو حالة خلق لاجواء تلتقي فيها الشخصيات وتؤكد على ارتباطها في الحدث الدرامي من خلال التتابع المنطقي للاحداث كما في النسيج العام للحبكة وبالتالي تكون هناك طبيعة مهمة في بناء الشخصية وعلاقتها بالحوار ووظيفته .
ان الاختبار العملي للشخصية في اسلوبها وادائها في شبكة علاقاتها يرسم لنا ملامحها التي ترتدي حياة جديدة مليئة بالتفاصيل ,لان الملامح تعطي للشخصية حقا بان تعبر عن نفسها من حركات خاصة بها من خلال الملابس التي ترتديها وايضا من بنيتها النفسية كما ذكرت والمهنية والثقافية وكذلك الوطنيه او القومية .
ثمت سؤال يطرح نفسه بعلاقة مهمة حينما نقول هل هناك فرق بين فن التمثيل والاداء المسرحي والاجابة عن ذلك تقودنا الى نقول ان فن التمثيل هو حالة تشخيص أحدى الشخصيات الخيالية والتي لها أسس واقعية ومن محض فكر المؤلف , وهي حالة أقتباس من الشخصية وحقيقتها وهي-- ليست في الممثل وانما في الشخصية المراد تشخيصها -- .
ولابد ان نشير الى ان هناك طريقتين في المسرح طريقة تقديمية ونعني بها الاداء والثانية التمثيلية . أن طريقة الاداء هي طريقة قديمة كلاسيكية تحاكي أو تقلد طريقة الشخصية وما مأخوذ عنها وعن سلوكها المعروف .
و التمثيل يأخذ طريقة التقمص وأضافة سلوك ومعرفة الممثل من حيث تصرف الممثل في التمثيل اي يعني بالخيال والتخيل في حبل القيادة في الوعي وفي الايهام .
ولابد ان يملك الممثل تقنيات عاليه في عمله ...لاان تقنيات الممثل ووضعية جسده في الاداء يعطي مكانة كبيرة له كمرحلة تسبق التعبير وتحدده .
اذن هما تعبيران يستخدمان بشكل متبادل وبينهما روابط كثيرة اساسية .... وقد اختلفت نوعية الاداء حسب ظروف العرض المسرحي في الشرق او الغرب عبر-- الصوت والحركة -- كما في الغرب او تجسيد كل العالم المحيط بالشخصية من خلال حركة الجسد الايحائية المليئة بالترميز اي بمعنى اخر استحضار العالم المحيط على خشبة المسرح كل هذا يتعلق باختلاف تقنيات اداء كل ممثل في هذا الفن . أن الممثل يقدم جهده الكبير بتفاصيل تتناسب مع وصف شخصيته وعلاقاته .
وقد وصف ( التمثيل ) بأنه مثل بناء ساعة سويسرية وان (الاداء المسرحي ) هو عملية بيع هذه الساعة.
أن الممثل يعلن أنه يمثل وأن مايقدمه ليس واقعا بل محاكاة للواقع وهو ايضا يكون ( منشئ الحدث ) وعندما يحدث الاشتباك بين العرض المسرحي والجمهور لابد للمثل ان يعرف كيف يؤدي الدور بشكل جيد .
و التمثيل هو الارتقاء بالنص وانتشاله من الهبوط , والمسؤول عن ذلك هو الممثل من خلال تحريك طاقته .... ولابد من القول ان اعتماد الجسم على الروح من الاهمية القصوى لفن التمثيل لكي يبقى محور نظم العلامات والدلالات من خلال ادائه المسرحي لانه المولّد الحقيقي للمعنى بصوته وحركته وحركة جسده والوجه واليدين وتلوين النص , كما انه يعني التركيز على قوى الممثل الخلاقة باكملها للوصول الى الهدف عبر أدائه المسرحي اي التجسيد لكل شئ يقدم على خشبة المسرح من غناء ورقص ونطق في اللغة بشكل سليم وواضح ولايجوز له ان تتراكم الكلمات في فمه وتتعثر لانه ( يعطل ) بل يشوه الالقاء المطلوب من الشخصية تقديمه.. وكذلك يكون عارف في فنون البهلوانيات و المبارزة ايضا الى اخره من التفاصيل التي تتعلق في تكوينات الممثل الفنية .. أذن لابد من تقنية عالية في الاداء لكي تظهر ابداعات وطاقات وايضا امكانات الممثل الخفية وتجعلها مرئية , لأن الاداء يتحكم بالمعطيات الانفعالية للمثل التي تحدثت عنها .
في الاداء المسرحي يستعيض الممثل بالنظرات بالاءيماءات بالتلميحات بوسائل اتصاله الصوت , الحركة ,الانفعال , ويزداد تأثيرذلك على المتفرج .
ان الممثل لابد وان يعرف كيف يؤدي دوره وان يكون خالق ومبدع في ان يخلق حالة من (الضحك في الحزن ) و (من الحزن ينتقل الى حالات من الفرح )بالاضافة الى العودة الى حالة (التوازن ) وهي الحالة الطبيعية له . وهنا يمارس تأثيراته على المتفرج ان يتحرك بشكل سهل يتناسب وتصرفه وبالتالي يعكس مضمون النص بشكل دقيق .
في التمثيل لابد وان يكون الممثل متيقظ وملئ بالنشاط والحيوية مسترخي غير متشنج يفكر بطريقة يجعل من المتفرج ان ينبهر به . يمد علاقات وصلات مع الممثلين. بالتعامل معهم ... اي مع زملائه فريق العمل على خشبة المسرح ليكونوا له مصدرا مهما ومساندا ...
وفي عمل الممثل الجيد الذي عليه ان يقدم فن التمثيل من دون ان يتلاعب بماهية الشخصية المرسومة له وكذلك ان يتكيف مع الاحداث بدون ان يؤثر سلبا على صفات الشخصية ,يتمتع بمستويات عديدة من المشاعر اثناء اللحظة الواحدة لا ان يشرد وتسبقه الشخصية ..وهو في عملية تركيز مستمرة تكون له المقدرة على الانتقال في لحظات متعددة بين الكلمات والافعال والمشاعر . ولابد له من يكون دافئ وحساس وان يعرف كيف يقدم الفن واين يخفيه يعرف اين يقدم ماهو صغير وماهو كبير , ان سيطرته على جسمه وحركاته وصوته يعطي له الانطلاق اي يعني الابداع والتالق .
أن السيطرة التامه على المتفرج تعني ان الممثل يقدم اداءا مسرحيا مميزا لذلك لابد من ان تكون هناك استمرارية لدعم كل عناصر التمثيل في العرض المسرحي لكي تستقر سلطة الممثل حتى يستطيع ان يقدم عناصر مثيرة ومناسبة في أداءه وان المهارة والذكاء والاستعداد لكل عرض لتقديم ما هو الافضل لديه عامل مهم في الارتفاع في مستوى الاداء .
ان تدريب الممثل على اللياقة العقلية والبدنية والنفسية هو القصد بأعداده لأداء أدواره
بطريقة علمية وفنية تعتمد على الإعداد الأولي والإعداد الثانوي والإعداد النهائي مع احترام القراءة الصوتية وتحسين النطق والقراءة الحركية والارتجال واستجماع الأحداث الدرامية وتحديد أهدافها والظروف المحيطة بها والالتجاء إلى الذاكرة الذاتية والتسلح بالمؤثرات العاطفية والوجدانية الشخصية لمعايشة الدور الجديد.
ولابد أن يعرف الممثل الشخصية التي يحاول أن يقوم بها أو يحققها على خشبة المسرح. ويجب أن يعرف أين موضع شخصيته بالنسبة للزمان والمكان والظروف الشخصية التي تسبق أحداث الشخصيات الأخرى ومواقفها، ويجب عليه أن يكون قادرا على الإفادة من تجربته الماضية في الحياة لمعاونته على إعادة إيجاد الحدث الحالي، الذي يرشح عن طريق الظروف، ويحدده الهدف...
لذلك يعتبر التمثيل في المسرح مع كونه فن جميل .. صعب جدا ..ففي نفس الوقت نجد الممثل فى المسرح يتعامل مع جمهور حى حقيقى يتفاعل معه فى كل مشاهد المسرحية من اول رفع الستار الى اسدالها .
كما ان التمثيل المسرحى هو المكان الحقيقى لأي ممثل فى الوجود , فالمسرح يخلق روح من الملحمية والتعاون مع باقى فريق العمل ومع الجمهور مباشرة ومع العمل نفسه ايضا .
فتعايش الممثل يوميا مع النص المسرحى بكامل مشاهده وشخصياته يكون جديرا بتزويد الممثل بثقافة عالية فى التمثيل والحركة والاداء والى اخره . ان التمثيل هو فن اللعب وهو كل مايتعلق في الحركة والصوت والنص - الحوار - وفيه ايضا دراسة للجوانب النفسية والاجتماعية مع تدريبات متتالية في مختلف الاساليب .
وفي الاداء المسرحي لابد من وجود امكانات للمثل في التخيل والتقليد والاستماع وأيضا الفهم الداخلي والخارجي لكل حركة وتعبير يقوم بها من خلال يتم ذلك عبر ارسال مؤثراته او شفراته ورسائله الى الجمهور . ويعتمد الاداء المسرحي في التعبير الصوتي والحركي من خلال الجسد عبر الكلمات واقترانها بالحركة وايضا الاهتمام في مخارج الحروف وضبط الوحدات الكلامية والتركيز على الايقاع هذه اساليب التأثير لاتأتي الا من خلال تمرينات عملية مكثفة لكي تجسد الادوار التمثيلية للشخصيات عبر الممثل .
ان الممثل الجيد الذي يستخدم جسده بشكل مقنع ورائع لابد وان يكتشف ما هو مجهول من خلال الطبيعة الانسانية التي يتمتع بها حتى ينمي حركته بشكل جيد ومن اجل خوف الجسد او ازالة اي خطر في نفس الوقت من خلال الثقة التي يتمتع بها والتي تاتي من خلال الحضور في تجربة التمارين لكي يستطيع انجاز الفعل الحقيقي في العمل والحركة على خشبة المسرح ... لانه من دون تمارين فعليه سيكون هناك خللا كبيرا في منظومة الجسد والحواس ... لان التمارين الرياضية تعطي نتائج فيها قمة التناسق في بناء شكل الجسد ومرونته وبالتالي يستطيع عبر التمارين السيطرة على التنفس كما في تمارين اليوغا التي تحبس النشاط الجسدي والحركة كما في النوم اثناء اليقظه وتعطي بذلك افضل النتائج الايجابية ومن ثم الاحتفاظ بالتوازن المستمر للجسم مع الفعل البشري .
لان جسد الممثل عندما يكون بنك من التدفقات الحيوية والطاقات المتعددة سوف لن يواجه مشاكل ولا صعوبات في عملية التقديم...
ومتى ما يصبح جسم الممثل عبارة عن تيار من الاندفاعات التي تتدفق بشكل ساحر نراه متالقا بوصوله الى حالات الصدق والاحساس التي تحتوي على انسانية تشعر بكل ماهو محسوس ويتم ذلك عبر الدخول في الاعماق الداخلية للشخصية وسبر اغوارها ...
الممثل ماله وما عليه ......
يمتلك الممثل منظومة تعبيرية تتمثل في الجسد والخيال والذاكرة الانفعالية والافكار والصدق والاحساس تبث هذه المنظومة افعالها عبر تعبيرات من الحزن والفرح ..الحب والكراهية ..الى اخره من انفعالات وايماءات من خلال حركات الوجه ولغة العيون والشفتين والرأس والايدي الى باقي اجزاء الجسد الذي يؤدي فيه تعبيرا جسديا مصحوبا بايقاعات تنتج عن مسارخاص تاخذه اي حركة يسبقها او تتبعها فراغ ..
ان التمثيل يعتمد على الحالة الداخلية للمثل في حين الاداء القديم يعتمد على المظهر ,وان التمثيل يتسم بواقعية وطبيعية لسلوكية الانسان اليومية وايضا فيه التقمص والاندماج والانتباه في حين ارى ان الاداء يكون متكلفا ويعتمد المبالغة وايضا يعتمد التكليف في التقديم .
واجد النكهة في التمثيل . نكهة خاصة جدا بكل ممثل يضيفها على اي دور يلعبه .
مثال على ذلك :
لو لعب عشرة ممثلين الدور نفسه لقدموه بعشرة طرق مختلفه ..... أما الاداء فهو منسوخ من بعضه وكأنه أقنعة تلبس حسب نوع الشخصية , ولم تكن تلك الاقنعة شديدة التنوع بل تكاد تنحصر بنوعين هما قناع الشر وقناع الخيرو بشكل عام جدا .
أن الشخصيات التي تقدم عن طريق التمثيل تكون اكثر حقيقية وتبدو متعددة الابعاد أي لها وجود مكتمل وقائم . بينما في الاداء تكون الشخصيات مجرد جزء من الشخصيات تبث فيها الروح في البداية كما أسلفت سابقا وتموت في النهاية .
أن التمثيل يستفيد من جوانب الحياة او من جوانب الشخصية التي لا تظهر بالضرورة في النص مثل الجانب النفسي والذهني والاجتماعي . فيكون التمثيل في هذه الحالة أشبه بتلبس حالة انسانية اي حالة انسانية بالكامل وليس فقط تقليد تصرفاته الخارجية .
الاداء لا يقنع ولا يوصل البعد الانساني .... بل التمثيل هو الذي يكون مقنعا ويقدم اوجاع وسعادة لا متناهية للبشر , وايضا دخل التمثيل في التطور واصبح علم راقي وبالتالي وجدت للمثل آلية مهمة قدمها وقام بالتنظير اليها المبدع ستانسلافسكي الذي وجد بها الاندماج والتقمص والخيال والتخيل وحبل القيادة كما اشرت ايضا في معرض شرحي عن التمثيل والاداء .
ومثال آخر على الموضوع :
اذا حاولنا ان نخرج مسرحية أوديب ملكا على الطريقة الادائية , فيجب علينا أن نتكلم بطريقة مختلفه وبطبقة عالية وان نتصرف كشخصية ملوكية بكلاسيكية كبيرة أي بحركات كلاسيكية تبعا أو كما تدل على عظمة تلك الشخصية في الحركة و الايقاع والاتكيت وتعتمد مثل هذه الشخصيات على مبدأ التطهير .
أما في التمثيل لشخصية أوديب فتكون الشخصية اكثر حرية , يعاني الممثل حتى يتقمص ويهظم الدور بشكل متقن . يقول عن هذا المبدع ستانسلافسكي : الديك لايؤكل مرة واحدة . يجب أن يقطع الى قطع صغيرة ثم يؤكل لكي يهظم .... والقصد هنا على الممثل أن يهظم الدورتماما او لايمثل ....
من هذا سيكون الامر مبني على أساس ربما لاينسجم ولكنه انطلاقا واستنادا الى كل ماذكرنا سابقا -- كما ينبغي-- وبهذا نكون قد أستشرقنا المستقبل من ابوابه العديدة دون الرجوع الى ماهو غير مذكور .
الاستنتاجات التي ذكرناها لم ولن تكن بمعزل عن ماهو مسلم به وذلك لانه من محاسن الصدف ان تكون هكذا .
منقول