Alashoria المديرة العامة
نقاط : 68910 مُعدل تقييم المستوى : 0 تاريخ التسجيل : 20/10/2010
| موضوع: الغفران يرفع شأن صاحبه بينما ينزله الانتقام إلى حضيض الجريمة والكراهية والشر... السبت ديسمبر 01, 2012 2:42 am | |
| إن الله منتقم جبار ينتقم لنا لكنه إله حنون محب لا ينتقم منا قصة مصرع الطفل اليوناني الصغير بنايوتي روذويس كانت بداية الأحداث الأليمة التي أنتهت بواحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها ضواحي مدينة أثينا خلال الشهور الماضية والتي هزت مشاعر الرأي العام اليوناني خلال النصف الأول من عام 1993 ففي احد أيام السبت خرج الطفل الصغير لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع مجموعة من أصدقائه وبينما كانوا يغنون في سعادة أقبلت سيارة مسرعة يقودها ضابط طيار ويجلس إلى جواره صديق له وهو أيضا ضابط شرطة وكان الاثنان مخمورين واصطدمت السيارة المجنونة بالأطفال فقتلت خمسة منهم وكان الصغير بنايوتي واحد من القتلى وبلغ الخبر الأليم والد الطفل الذي كان يحبه بجنون فامتلأ قلبه حزنا على ابنه الوحيد وانتظر أن توقع المحكمة عقابا قاسيا على الضابط المستهتر لكن المحكمة العسكرية أطلقت سراح المتهم بعد أربعة أشهر فقط من حبسه فقد أستطاع المحامون إقناع المحكمة بالإفراج عنه بكفالة لحين النظر في القضية ولم يصدق الأب أن يفلت المجرم من الجزاء الرادع الذي يستحقه وأحس أن هناك شيئا مجهولا يعرقل العدالة وأن الجاني لديه نفوذا يحميه من العقاب فقرر أن ينتقم بنفسه وطلق الأب زوجته التي دعته للتسامح وباع متجره ليتفرغ للانتقام وحده وفي جلسة المحكمة حدثت وقائع الجريمة فبينما كان الدفاع يترافع عن المتهم تقدم والد الطفل ممسكا مسدسه واتجه نحو شاهد النفي وهو الضابط الذي كان يجلس إلى جوار المتهم عند وقوع الحادث وأخر الأب خيطا قويا وبسرعة وحزم قيد الشاهد ثم قيد المحاميين تحت تهديد السلاح واستدعى الصحفيين ووقف الرجل في مواجهة الجميع وصرخ قائلا إن الحكم الذي أصدرته المحكمة لم يكن عادلا وكان يجب أن يدخل المتهم السجن يقضي فيه بقية عمره ثم قال في حزم إنه جاء ليطبق العدالة ثم أطلق الرصاص على الشاهد وعلى المحاميين وعلى اثنين من القضاة ثم على نفسه وأغلق الرجل الستار على واحدة من أقسى حكايات الانتقام المرير الذي يحطم كل شيء ويحطم صاحبه أيضا
دوافع الانتقام إن حوادث الانتقام دائما مثيرة جدا ووجه الإثارة أنها لا ترتكز في أغلب الأحيان على منطق أو عقل ولا تتناسب مع أسبابها ففي حوادث القتل للثأر مثلا كثيرا ما يوقع العقاب على من لم يقتل بل على قريب برئ لا صلة له بالجريمة الأولى وكثيرا ما يقتل طفل بريء انتقاما من أبيه وأمه وفي أغلب جرائم الانتقام يكون الانتقام أشد جرما وحماقة من الجريمة الأصلية منذ فترة قريبة سقط خمسة قتلى من طبقة ثرية وعلى شيء من التعليم سقطوا صرعى لجرائم ثأر وكان الخلاف قد قام بين عائلتين حول امتلاك نخلة وهذا يدل على أن دوافع الانتقام الظاهرة كثيرا ما تكون دوافع واهية أما الدوافع الحقيقية فهي دوافع دفينة داخل النفس الإنسانية قد لا يعرفها أغلب المنتقمون
فما هي محركات الانتقام الحقيقية؟ المحرك الأول للانتقام هو رد الفعل السريع فكثيرا ما يندفع البعض لرد الإساءة كرد فعل سريع ومباشر لما وجه إليهم فيكون الانتقام عمل ارتجاعي لا تشارك فيه العقول
المحرك الثاني للانتقام هو الغضب: ويأتي هذا الغضب نتيجة الانفعال فلا يعط فرصة للتروي والتعقل وحساب الأسباب والنتائج فيأتي الانتقام عاريا من الحكمة والمنطق
والمحرك الثالث للانتقام هو سيطرة روح العنف وقد انتشر العنف في كثير من بلاد العالم لأسباب اقتصادية أو تربوية أو أخلاقية أو سياسية..الخ لكن النتيجة هي سقوط الناس تحت سيطرة روح البطش والتعطش للتخريب والقتل وهذه الروح التي تتملك الناس تجد فرصتها عند أي احتكاك بسيط للتحول إلى أعمال انتقامية دامية
المحرك الرابع للانتقام هو الإحساس بالسطوة: فبعض الناس يحسون بالسيادة والقوة ربما لانتمائهم لطبقة أعلى أو تقربهم للسلطة أو للأكثرية العددية..الخ وهذا الإحساس بالسطوة يشجع على الأعمال الانتقامية لإبراز التفوق
أما المحرك الخامس فهو الفقر الروحي: وهو في الحقيقة أهم العوامل وأولها فالإنسان الروحي دائما يتسامى فوق الخلافات ويرتفع فوق الضغائن ولا يستجيب للاستثارة فإذا ضعفت الحياة الروحية قويت روح الانتقام
هل الانتقام هو الحل؟ والانتقام لا يحل المشكلة ولا ينهي موقف إنه لا يعيد ما ضاع فالذي ينتقم ممن أساء إليه لا يسترد بانتقامه ما ضاع ففي جرائم الثأر مثلا فإن مقتل ضحية جديدة لا ترد الحياة للضحية الأولى ولا تعيد ما كان ويفتح مزيدا من الجروح فالانتقام مثل إلقاء الزيت على النار المشتعلة تزيدها اشتعالا وتوسع رقعتها وهو يقضي تماما على راحة البال والسلام الداخلي فالذي ينتقم من عدوه لا يكون أقل انزعاجا ممن يقع عليه الانتقام ففي اللحظة التي يحقق فيها غرضه تبدأ مخاوفه واضطرابه وقلقه من الخطر القادم
الإنتقام هو استبعاد لعدالة الله: فالمنتقمون الذين يريدون الانتقام بوسائلهم الخاصة لا تشبعهم أحكام القضاء المدني فيستبعدونه لعدم كفايته حسب اعتقادهم ولكنهم في ذات الوقت يستبعدون عدالة الله التي لا تخطئ أبدا وفي اللحظة التي ينتقمون فيها لأنفسهم يغلقون الباب أمام العدل الإلهي وهي خسارة حقيقية
مقاومة روح الانتقام في إحدى المناطق التفرقة العنصرية رأي واحد من السادة البيض رجلا أسود يسير ليلا بجوار مزرعة الخيول التي يمتلكها فأسرع بالقبض عليه متهما إياه بمحاولة السرقة وعبثا حاول المسكين إقناع السيد بأنه كان يختصر الطريق إلى بيته بعد يوم مجهد لكنه لم يقتنع وأصر أن يقطع كف السارق البريء وابتلع الرجل آلامه ومضى إلى كوخه الحقير يتجرع الألم والمرارة ومرت سنوات طويلة وجاء يوم ضل فيه السيد طريقه ووجد نفسه وحيدا وسط الأحراش وأعياه التعب فنام يائسا واستيقظ ليجد نفسه أمام رجل أسود يقدم له قدحا من اللبن وبينما كان يتناول الكأس لمح اليد المعوقة تتدلى بلا كف من كتف الرجل الفقير وتذكر ملامحه وعادت إلى ذاكرته تلك المعاملة القاسية التي عامله بها وارتعب السيد ولم يجد ما يقول وقبل أن تخرج من شفتيه كلمات استرحام قال الرجل الأسود: فبالرغم من أن الانتقام له إغراء شديد لكني قررت أن أقاومه بكل ما أستطيع كثيرا ما يبدو الانتقام حلوا لكنه ينتهي بمذاق مر والقوي هو الذي يقاوم روح الانتقام فالغفران يرفع شأن صاحبه بينما ينزله الانتقام إلى حضيض الجريمة والكراهية والشر
هل ينتقم الله؟ إن الله هو العدل المطلق لذالك لا بد أن يجري العدل بين البشر فيعاقب المخطئ ويكافئ المصيب لكننا حين نأمل انتقام الله من الشر فإنه يسعدنا أن نرى الله ينتقم لنا ولكنه لا ينتقم منا فالله ينتقم لنا ممن يسيئون لنا وهو في عقابه له كل السلطان وكل العدل وهو سبحانه لا يخطئ بل يرد الحق كاملا ولكن الله لا ينتقم منا حين نخطئ ونتعثر في تنفيذ وصاياه بل نراه في حب عميق يساندنا ويساعدنا ويقوم طريقنا ويشد سواعدنا ويفتح عيوننا لنرى الطريق إن الله ليس متعطشا للانتقام كما كان القدماء يصورون آلهتهم لكنه سبحانه هو الحب والراحمة والغفران وهو في كل لحظة يفتح لنا الباب ليمحو خطايانا ويغفر آثامنا حين تأتي إليه بقلب معترف تائب ما أبشع أن نعاند الله ونخرج عن طريقه وما أعظم أن نعود إلى الله ونتمتع بغفرانه فالله هو إله الحب وليس إله الانتقام
يا رب أحمدك لأنك إله محب فالبرغم من عدالتك الكاملة وغضبك ورفضك للشر وبالرغم من نقمتك العادلة وقصاصك الرادع فإنك تعالج بالحب قصورنا الروحي وتفتح لنا طريقنا إلى الرحمة ولو أنك كنت تنتقم من المخطئين ما كان لأحد منا أن يفلت من نقمتك فنحن نعيش تحت ركام خطايانا ونتلوث في كل صباح بمزيد من الشرور لكن رجاءنا فيك يتعلق برحمتك ويعتمد على جوهر حبك نحمدك فإن قانون الرحمة لديك يعالج احتياجات عدلك ويفتح الطريق أمامنا للتوبة الصادقة فأسكب علينا من خالص رحمتك ولا تضعنا تحت يد نقمتك واغسل داخلنا بروح قدسك واكشف لنا طريق خلاصك يا رب
| |
|