Alashoria المديرة العامة
نقاط : 68910 مُعدل تقييم المستوى : 0 تاريخ التسجيل : 20/10/2010
| موضوع: من الثمرة تعرف الشجرة... الخميس ديسمبر 15, 2011 6:35 pm | |
| من الثمرة تعرف الشجرة
من الثمرة تعرف الشجرة ، من من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك تينا أو من الحسك عنبا لأن ما من شجرة جيدة تصنع شجرا رديا . هذا الكلام تزول دونه السماء والأرض ولا يسقط منه حرف . ونحن نتحقق عمليا كل يوم فى حياتنا وحياة أولادنا وذوينا. كان يتردد على الكنيسة فى الصيف فى تقوى وورع شديد ويتناول من الأسرار متواترا . وكنت أشعر بخجل شديد أمام هذا الرجل وهو متقدم فى الأيام ، وقور وهو يعترف أمامى بدموع فكانت نفسى تتصاغر فى داخلى. كان الرجل طبيبا مشهورا فى أحد مراكز الصعيد ، وكانت مخافة الرب تملأ قلبه وحفظ وصايا المسيح يظلل على كل تصرفاته. ولأننى كنت أراه كل صيف فلم يكن لى فرصة معرفة الكثير عنه إلا ما تكلم فى الاعتراف أو فى جلسات قصيرة فى الكنيسة بعد القداس الإلهى . وغاب الرجل سنوات ، ثم فى يوم من أيام الصيف وجدته أمامى فى الهيكل البحرى ، فرحت برؤيته جدا ورحت أسأله عن أحواله .. لقد إنتقلت زوجته الى السماء . وصار يعيش بمفرده ، يكرس وقته كله للصلاة والتأمل فى كلمة الحياة وقد تأخرت صحته ولكنه فى حالة من السلام القلبى الداخلى أضفت على شيخوخته مسحة من النعمة وزيادة فى الوقار والجلال. وطلب الرجل أن يتحدث معى بأكثر تفصيل فى مشكلة تواجهه فأرجأنا الحديث الى ما بعد القداس ولما أكملنا صلاة القداس الإلهى وإنصرف المصلون .. جلسنا فى أحد الأركان قلت له أخيرا .. ماذا يشغل بالك. قال الرجل .. لقد فكرت أن أفرغ ذهنى من كل ما يشغلنى .. أريد أن أعيش حرا من كل شىء فى هذه الأيام الباقية ، ففكرت أن أصفى إلتزاماتى المالية لا سيما نحو أولادى لكى لا أتركهم فى حيره من شىء ولا أترك شيئا معلقا. قلت له حسنا تفعل ، فما المشكلة إذن؟ قال : إن لى ولدا واحدا ، وهو متخرج حديثا فى إحدى الكليات الجامعية ولى إبنتان متزوجتان بالاسكندرية ، واحدة متزوجة من طبيب والأخرى من مهندس . وأشكر إلهى أنهما موفقتان فى حياتهما ميسرتان فى عيشهما ولا ينقصهما شىء وأنا قد أعطانى الرب شيئا من مقتنيات هذا العالم الزائل ، قطعة أرض (كذا فدان) وعمارتين فأردت أن أقسمه بين أولادى وأنا بعد حى فلما تكلمت مع إبنى غلبه التأثر وبكى كثيرا ورفض أن أفعل هذا ولكنى ألححت عليه وعرفته أنه راحة لى وهذا سيزيد من فرحى وسلامى وأنا لم يعد لى حاجة الى شىء .. وبعد حوار كثير دار بينى وبينه .. قبل الولد على مضض ولكنه وضع شرطا لذلك أن لا يزيد نصيبه على نصيب أختيه .. ففرحت بروحه المملوء محبة وزهد فى العالم وهو بعد صغير. ثم حضرت الى الاسكندرية ، وذهبت الى منزل إبنتى الكبرى وتكمت معها فى هذا الموضوع .. فرفضت بإصرار أن أتصرف هكذا وقد قضيت معها ساعات طويلة أتوسل إليها أن تقبل من أجل راحتى وهدوء نفسى. أخيرا قبلت كلامى ولكن عندما نقلت إليها رغبة أخيها فى التقسيم ثارت ثورتها وبكت بدموع غزيرة متوسلة الى أنها لا يعوزها شىء بل أن نعمة الله فى بيتها أكثر من الكفاية وأن أخاها شاب صغير فى مقتبل العمر ويجب أن تكتب كل شىء بإسمه وإن كان لا بد أن آخذ شيئا فيكفينى بركة صغيرة لكى ترتاح نفسى. فقلت وأنا أنظر الى الرجل متعجبا ثم ماذا؟ قال الرجل إن أعجب ما فى الأمر أن موقف الأخت الصغرى كان الرفض النهائى لقبول أى شىء بل أنها هددتنى إن أقدمت على مثل هذا الإجراء فإنها سوف تقاطعنى وتخاصمنى. قلت للرجل إنها حقا مشكلة .. إنها مشاجرة من نوع غريب. قال الرجل أرجوك أن تذهب معى الى البنات وتقنعهن إننى لا أريد أن يعشن فى كدر فقد عودتهن أن يعشن دائما فى سلام مع الله وسلام مع بعضهن البعض. ذهبت مع الرجل لأشاهد هذا الثمر العجيب للحياة الروحية الصادقة .. لقد رأى الرجل قبل أن يرحل من هذا العالم رأى بعينيه ثمر الحياة الروحية التى عاشها والمبادىء الحلوة التى غرسها فى أطفاله كيف صارت كفردوس الله فى نفوس داست بأقدامها الطمع وحب الذات وإحتقرت أباطيل العالم. وقد أعادت قصة هذا البار وبنيه الى ذهنى صورة الكنيسة الأولى فى عزوفها عن العالم وتمسكها بالوصايا الانجيلية "فليرض كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان"، "مقدمين بعضكم بعضا فى الكرامة" ، "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ". وتألمت كثيرا للظروف التى نقابلها كل يوم والمشاكل الرهيبة بسبب الطمع ومحبة النصيب الأكبر وحب الذات والعداوات والمحاكم بسبب الميراث بل والحقد والشر .. إلخ". هذه الأمور وتمنيت أن أرى فى حياتى مرة أخرى هذا المثل متكررا ولكن هل تنبت هذه الثمر من فراغ؟ لا . ولكن كل شجرة تثمر كجنسها ، كما قال رب المجد تبارك إسمه.
| |
|